الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال أبو حيان: {فأنجيناه والذين معه برحمة منا} يعني من آمن معه {برحمة} سابقة لهم من الله وفضل عليهم حيث جعلهم آمنوا فكان ذلك سببًا لنجاتهم مما أصاب قومهم من العذاب.{وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا} كناية عن استئصالهم بالهلاك بالعذاب وتقدّم الكلام في {دابر} في قوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} وفي قوله: {الذين كذبوا} تنبيه على علة قطع دابرهم وفي قوله: {بآياتنا} دليل على أنه كانت لهود معجزات ولكن لم تذكر لنا بتعيينها.{وما كانوا مؤمنين} جملة مؤكدة لقوله: {كذبوا بآياتنا} ويحتمل أن يكون إخبارًا من الله تعالى أنهم ممن علم الله تعالى أنهم لو بقوا لم يؤمنوا أي ما كانوا ممن يقبل إيمانًا البتة ولو علم الله تعالى أنهم يؤمنون لأبقاهم وذلك أنّ المكذّب بالآيات قد يؤمن بها بعد ذلك ويحسن حاله فأما من حتم الله عليه بالكفر فلا يؤمن أبدًا وفي ذلك تعريض بمن آمن منهم كمرثد بن سعد ومن نجا مع هود عليه السلام كأنه قال: {وقطعنا دابر القوم الذين كذّبوا} منهم ولم يكونوا مثل من آمن منهم ليؤذن أنّ الهلاك خصّ المكذبين ونجّى الله المؤمنين قاله الزمخشري: وذكر المفسرون هنا قصة هلاك عاد وذكروا فيها أشياء لا تعلق لها بلفظ القرآن ولا صحّت عن الرسول فضربت عن ذكرها صفحًا وأما ما له تعلق بلفظ القرآن فيأتي في مواضعه إن شاء الله تعالى. اهـ..قال أبو السعود: الفاء في قوله تعالى: {فأنجيناه} فصيحةٌ كما في قوله تعالى: {فانفجرت} أي فوقع ما وقع فأنجيناه {والذين معه} أي في الدين {برحمة} أي عظيمةٍ لا يقادَر قدرُها، وقوله تعالى: {منا} أي من جهتنا متعلقٌ بمحذوف هو نعتٌ لرحمةٍ مؤكِّدٌ لفخامتها الذاتية المنفهمةِ من تنكيرها بالفخامة الإضافية {وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا} أي استأصلْنا بالكلية ودمرناهم عن آخرهم {وما كانوا مؤمنين} عطفٌ على كذبوا داخلٌ معه في حكم الصلةِ، أي أصرّوا على الكفر والتكذيبِ ولم يرعووا عن ذلك أبدًا، وتقديمُ حكايةِ الإنجاءِ على حكاية الإهلاكِ قد مر سرُّه، وفيه تنبيهٌ على أن مناطَ النجاةِ هو الإيمانُ بالله تعالى وتصديقُ آياتِه كما أن مدارَ البوارِ هو الكفرُ والتكذيب. وقصتُهم أن عادًا قومٌ كانوا باليمن بالأحقاف، وكانوا قد تبسّطوا في البلاد ما بين عُمان إلى حضْرَمَوتَ، وكانت لهم أصنامٌ يعبُدونها صدًا وصمود والهبا فبعث الله تعالى إليهم هودًا نبيًا وكان من أوسطهم وأفضلهم حسبًا فكذبوه وازدادوا عُتوًّا وتجبّرًا فأمسك الله عنهم القطرَ ثلاثَ سنينَ حتى جهَدوا وكان الناس إذا نزل بهم بلاءٌ طلبوا إلى الله الفرجَ منه عند بيتِه الحرامِ مسلِمُهم ومشركُهم، وأهلُ مكةَ كانوا إذ ذاك العماليقَ أولادَ عمليقَ بنِ لاوذَ بنِ سامِ بنِ نوح وسيدُهم معاويةُ بنُ بكرٍ فجهزّت عادٌ إلى مكة من أماثلهم سبعين رجلًا منهم قيلُ بنُ عنز ومَرثدُ بن سعد الذي كان يكتُم إسلامَه فلما قدِموا نزلوا على معاويةَ بنِ بكر وهو بظاهر مكة خارجًا عن الحرم فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخوالَه وأصهارَه فأقاموا عنده شهرًا يشربون الخمرَ وتغنّيهم قينتا معاوية فلما رأى طولَ مقامِهم وذهولَهم باللهو عما قدموا له أهمّه ذلك وقال: قد هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء على ما هم عليه وكان يستحيي أن يكلمهم خشيةَ أن يظنوا به ثِقَلَ مُقامهم عليه فذكر ذلك للقينتين فقالتا: قل شعرًا نغنيهم به لا يدرون مَنْ قاله، فقال معاوية:فلما غنتا به قال: إن قومَكم يتغوّثون من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم فادخُلوا الحرَم واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثدُ بن سعد: والله لا تُسقَون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم إلى الله تعالى سُقِيتم وأظهر إسلامَه فقالوا لمعاوية: احبِس عنا مرثدًا لا يقدَمَن معنا فإنه قد اتبع دينَ هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة فقال قيلُ: اللهم اسقِ عادًا ما كنت تسقيهم فأنشأ الله تعالى سحاباتٍ ثلاثًا: بيضاءَ وحمراءَ وسوداءَ ثم ناداه منادٍ من السماء: يا قيلُ اختر لنفسك ولقومك فقال: اخترت السوداءَ فإنها أكثرُهن ماءً فخرجت على عاد من واد يقال له: المغيث فاستبشَروا بها وقالوا: هذا عارضٌ مُمطرُنا فجاءتهم منها ريحٌ عقيمٌ فأهلكتهم ونجا هودٌ والمؤمنون معه فأتَوا مكةَ فعبدوا الله تعالى فيها إلى أن ماتوا. اهـ. .قال الألوسي: {فَأَنْجَيْنَاهُ} فصيحة أي فوقع ما وقع فأنجيناه {والذين مَعَهُ} أي متابعيه في الدين {برَحْمَة} عظيمة لا يقادر قدرها {منَّا} أي من جهتنا.والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع نعتًا لرحمة مؤكدًا لفخامتها على ما تقدم غير مرة {وَقَطَعْنَا دَابرَ الذين كَذَّبُوا بآيَاتنَا} كناية عن الاستئصال.والدابر الآخر أي أهلكناهم بالكلية ودمرناهم عن آخرهم.واستدل به بعضهم على أنه لا عقب لهم.{وَمَا كَانُوا مُؤْمنينَ} عطف على {كذبوا} داخل معه في حكم الصلة أي أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرعووا عن ذلك أصلًا.وفائدة هذا النفي عند الزمخشري التعريض بمن آمن منهم.وبيانه على ما قال الطيبي أنه إذا سمع المؤمن أن الهلاك اختص بالمكذبين وعلم أن سبب النجاة هو الإيمان تزيد رغبته فيه ويعظم قدره عنده، ونظيره في اعتبار شرف الإيمان {الذين يحملون العرش} [غافر: 7] الآية، وقال بعضهم: فائدة ذلك بيان أنه كان المعلوم من حالهم أنه سبحانه لو لم يهلكهم ما كانوا ليؤمنوا كما قال جل شأنه في آية أخرى: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا} [يونس: 13] فهو كالعذر عن عدم إمهالهم والصبر عليهم.وسر تقديم حكاية الإنجاء على حكاية الإهلاك يعلم مما تقدم.وقصتهم على ما ذكره السدي ومحمد بن إسحاق وغيرهما أن عادًا قوم كانوا بالأحقاف وهي رمال بين عمان وحضرموت وكانوا قد فشوا في الأرض كلها وقهروا أهلها وكانت لهم أصنام يعبدونها وهي صداء وصمود وإلهاء فبعث الله تعالى إليهم هودًا عليه السلام نبيًا وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم حسبًا فأمرهم بالتوحيد والكف عن الظلم فكذبوه وازدادوا عتوًا وتجبرًا {وقالوا من أشد منا قوة} [فصلت: 15] فأمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس إذ ذاك إذا نزل بهم بلاء طلبوا رفعه من الله تعالى عند بيته الحرام مسلمهم ومشركهم، وأهل مكة يومئذٍ العمالقة أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وسيدهم معاوية بن بكر وكانت أمه كهلدة من عاد فجهزت عاد إلى الحرم من أماثلهم سبعين رجلًا منهم قيل بن عنز ولقيم بن هزال ولقمان بن عاد الأصغر ومرثد بن سعد الذي كان يكتم إسلامه وجلهمة خال معاوية بن بكر فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية وكان خارجًا من الحرم فأنزلهم وأكرمهم إذ كانوا أخواله وأصهاره فأقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر وتغنيهم قينتان لمعاوية اسم إحداهما وردة والأخرى جرادة ويقال لهما الجرادتان على التغليب فلما رأى طول مقامهم وذهولهم باللهو عما قدموا له شق ذلك عليه وقال: هلك أصهاري وأخوالي وهؤلاء على ما هم عليه وكان يستحي أن يكلمهم خشية أن يظنوا به ثقل مقامهم عنده فشكا ذلك لقينتيه فقالتا: قل شعرًا نغنيهم به ولا يدرون من قاله لعل ذلك أن يحركهم فقال:فلما غنتا بذلك قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم فادخلوا هذا الحرم واستسقوا لقومكم فقال: مرثد بن سعد والله لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إلى ربكم سقيتم فأظهر إسلامه عند ذلك وقال: فقالوا لمعاوية: أحبس عنا مرثدًا فلا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة يستسقون فخرج مرثد من منزل معاوية حتى أدركهم قبل أن يدعوا بشيء مما خرجوا له فلما انتهى إليهم قام يدعو الله تعالى ويقول: اللهم سؤلي وحدي فلا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد وكان قيل رأس الوفد فدعا وقال: اللهم اسق عادًا ما كنت تسقيهم وقال القوم: اللهم أعط قيلًا ما سألك واجعل سؤلنا مع سؤله فأنشأ الله تعالى سحائب ثلاثًا بيضاء وحمراء وسوداء ثم نادى مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب ما شئت قيل وكذلك يفعل الله تعالى بمن دعاه إذ ذاك فقال قيل: اخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء فناداه مناد اخترت رمادًا رمدًا لا تبقى من آل عاد أحدًا وساق الله تعالى تلك السحابة بما فيها من النقمة إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا وقالوا: هذا عارض ممطرنا فجاءتهم منها ريح عقيم، وأول من رأى ذلك امرأة منهم يقال لها مهدر ولما رأته صفقت فلما أفاقت قالوا: ما رأيت قالت: رأيت ريحًا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها فسخرها الله تعالى عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا فلم تدع منهم أحدًا إلا أهلكته واعتزل هود عليه السلام ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين به الجلود وتلتذ الأنفس، ثم إنه عليه السلام أتى هو ومن معه مكة فعبدوا الله تعالى فيها إلى أن ماتوا وقبره عليه السلام قيل هناك في البقعة التي بين الركن والمقام وزمزم، وفيها كما أخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن سابط قبور تسعة وسبعين نبيًا منهم أيضًا نوح وشعيب وصالح وإسماعيل عليهم السلام، وأخرج البخاري في تاريخه.وابن جرير وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه أن قبره عليه السلام بحضرموت في كثيب أحمر عند رأسه سدرة، وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي العاتكة قال: قبلة مسجد دمشق قبر هود عليه السلام، وعمر كما أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أربعمائة واثنتين وسبعين سنة والله تعالى أعلم. اهـ.
|